السَلام عليكَم ورحَمة الله .
طاب صَباحُكم بكُل خَير ,
" رحَلـة نحَـو الأمـل "
هيَ في حقيقتها تقع بين الخَيال والواقع فلامسَت كلاً منهما . .
أليكَم هيَ ،
* خطواتٌ واثقة ثابتَة تمضي سائرة , وثغرٌ يتَزين بمبسَمٍ في بعَض اللحظات والأخرى يكون الجَمود حليفه .
عينان شاردتان تراقب هذه وتلك , وذراعين أحتضنت كُل منهَما الأخرى .
نعَم أنها أنا في ذلك اليوم , عندمَا كنت أسَير في باحَة مدرسَتي في وقت الفسُحة .
ضجيج الطالبات من حَولي يزعجَني أنهُ تماماً كما في عمق مشَاعري .
مَلل وفراغ يملئ علي حياتي , أقضي جُل وقتي بين الكَتب أو رسَم أحلام المستقبل
وهكذا يمضي يومي دون جديد يُذكر .
خرجت مني زفرة مليئة بالضَجر , استدرت عادة إلى صفي لم أعد أريد أكمال الفُسحة هُنا .
لكن قدامي توقفت تلقائياً عندما دخلت إلى الساحة الداخلية وَ رأيتها كالعادة تجلس على مسَرح مدرسَتي مطأطأةً رأسَها
شابكَةً أصَابع يديها .
أخذت أمشَي نحَوها بنفس الثبات الذي أسَير به عادةً أقتربت منها قاب قوسين او ادنى ومِلتُ قليلاً نحَوها أبتسم : السلام عليكم .
رفعَت لي مُقلتيها وأخذت تنظر لي بنظرات فارغة حتى أشاحت وهي تقول : وعليك السلام .
لم أعلم ماذا أقول شَعرت بالغباء لحظتها فقلت متداركة لموقفي وخاصة أن ردة فعَلها لم تعجبني قط : هل لي بالجَلوس بجانبك ؟
أومأت لي بالموافقة فجلست بجانبها سألتها عن أحوالها وما أخبار الدراسة معها لم أتطرق لأي أمر يُخصها شخَصياً , في بداية أمري تصَرفاتها وردود أفعالها على أسئلتي سببت لي ضيقاً وأعتقَد أنني المخطأه لأن لا شأن لي بها فكَيف سَمحت لنفسي بالجَلوس معها وكأنني أعرفها منذ زمن ,
أعرفها بأسمها وبشكَلها فقط فهَي بالنسبة لطالبات المدرسة من دون أستثناء مخَتلفة لكنني متيقنة أن الملل هو العامل الأكبر لجلوسي معها .
سألتها بتردد وبإرتباك : لماذا لا تجلسين مع صديقاتك بدلاً من الجلوس هُنا وحَدك ؟ , تأملت تقاسيم وجهها التي أوضَحت أنها ساخرة وبنبرة تهكم واضحة : صديقات ؟ عن اي صديقات تتحدثين ؟؟ بنات عمَي هُنا وهن بالأساس يخَجلن من قول أنني أبنة عمهَم فكيف بصديقات ؟! .
أجتاحتني عاصفة من هول ما سمعَت وقلت بنبرة انفعال لم أقصدها : ولمــــاذا يخجلنْ .؟
ما زالت ملامحها تبين حجم سُخريتها وقالت بصوت أشج مُجيبة على انفعالي : ألا ترين أنني عرجاء أنهن يخشين من كلام الطالبات عنهَن وقد يكون سببهن الملفق أحيانا أنهن لا يستطعن تحَملي أنا لست مثلكِ ومثلَ أي طالبة هُنا
تمضي مع صديقتها ذهاب وَ أياب او حتى تتقاسم معها احزانها وأشجانها أو حتى أفراحها وضحكاتها أنا مختلفة
هُنا عن الجميع .
أخذت أرمقها بناظري تعَجبت لقولها بحَق عندما حَدثتني عن أمرها علمت حينها أنها كانت تحتاج لأحد حتى يسألها ما بها فتخرج ما هو مكبوتٌ داخلها ,
أبتسمت لها برفق وقلت بحنان : ليس من اللازم ان تسير معكِ بنات عمك أو حتى صديقات أنظري لي الآن , رأيتها تلتفت نحَوي بضيق فأكملت بذات النبرة , أترين أنا ايضا مثل تلك وهذه , وأخذت اشير بأصبعي نحو الطالبات , لدي صديقات ولكَن مع ذلك لا أَشعر بقربهن مني وأنا بكامل عافيتي والحمد لله أسفه لقولي ولكن هذه حقيقة أمري أفضَل الوحدة أكثر من الجلوس معهن ليس لدي سبب لذلك
لكن هذه من طباعي الخاصة ,
في بعض الأحيان تكون الوحَدة أفضَل من الأختلاط بمن حولك وخاصة إذا كانوا لا يستحقون مشاعرك , وعلاوة على قولي انتي أخبرتني أنكِ مُختلفة نعَم أنتي مُختلفة ليس شكلاً أو حتى مظهراً بل مختلفة عنهن بـ هذا , وطفقت أشير الى ناحية قلبي , وهذا , ثم أمتد أصبعي لرأسي حيث موضع عقلي ,
يُمكنك ان تحَققي أموراً عجز الجميع عن تحقيقها يُمكنكِ أن تغيري في حياتك وحياة غيرك وتصَنعي أملاً لكِ ولهَم وكم من أمثالكِ غير مجرى تاريخنا وأصَبحت السطور مُزدانةً بأسَمه .
طأطأت رأسها وقالت بخَوف : لا أعَلم ماذا عسـاي أن أقول أنـ ..
قاطعتها بنبرة تحذير : لااا , أياكِ أن تجَعلي اليأس يغزو قلبكِ , سأخبرك أمراً عندما كنت في المرحلة الإبتدائية أعتقدت أنني عندما سأكبر وأصبح في الإعدادية والثانوية لن أحقق أي نجاحات وها أنا الحمد لله وبالأمل حققت بعضاً مما في رأسَي وأرنوا له ,
وأيضاً ذات مرة قابلت شابة في أواخر العشرينيات كنت مع والدتي أنا ذاك أتعلمين انها عرجاء وليس هذا فحسَب بل لديها صعوبة في النطق , تأملت ملامحها التي تحولت لصدمة وأكمَلت , ولكن كانت بأخلاقها وأسلوبها تكسَب هذا وذاك من الود والأحترام سألت والدتي ما قصتها أخبرتني أنها عندما كانت بالثانوية تعرضت لحادث أدى إلى وفاة جميع أفراد عائلتها وسبب لها ذلك الحادث العرج والصعوبة في النطق ومع ذلك لم يردعها عن المُضي نحَو حلمها في أن تكون مشرفة تربوية وها هيَ تحصد ثمرة ذلك العَزم ,
أكملت بخجل وانا أرى ملامحها أكتست جموداً , أعلم اني ثرثارة لكنني لم استطع كتمان انفعالي لما سمعته منكِ .
احتضنت يدي وهي تهز رأسها يمنة ويسَرة وتقول : لا في الحقيقة أنا سعيدة أن جاءت هذه الفرصة لألتقيك كنتُ محتاجةً إلى هذه الكلمات مُسبقاً فأنا مُحطمة من الداخل وهذا أثار فيني تبلداً ظاهرياً .
رن جرس نهاية الفسَحة وبدأن الطالبات بالدخول , ودعتني تلك وهي تشكرني بإمتنان وأنها لن تنسَى ما قلته لها , نظرت إليها تبتعد بخطوات بطيئة غير متوازنة وأنا لأول مرة أتحَدث بتلك الطريقة التي كنت متعجبة منها , مضيت ماشيةً ناحية صفي وأنا اتذكر تلك اللحظات جيداً
" يا الله لقد مرت النصَف ساعة وكأنها ساعات و كانت الأجمل , لقد أستيقظت اخيراً من سبات الملل والفراغ والتبلد الذي اعيشه وعرفت أن غيرنا يعانون أكثَر منا , علي أن أجاهد نفسي مثلها لأصنع الأمل لروحي من جديد وحتى ما حققتهُ من إنجازات هذا لا يكَفي فلا زال الدربُ طويلا وهُناك محَطة في الحَياة فيها قطار من الخَيال يأخذنا في رحَلة نحَو الأمل "*