[frame="8 10"]{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}الأعراف199
السلاح الذي ينبغي أن أتسلح به في هذا الزمان وكل زمان ، وهذا هو السلاح الأساسي الذي استخدمه النبي العدنان في فتح القلوب ، وهو سلاح العفو والصفح ، أين المؤمنين الآن من خُلُق العفو والصفح؟ نحن نسمع من يقول في أخيه المؤمن مع أن الآية نزلت في الكافرين وغير المؤمنين: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} البقرة194
وهل هناك مؤمن يعتدي على مؤمن؟ الاعتداء يكون من الكافر ، لكن لا يوجد مؤمن يعتدي على مؤمن أبداً: {كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ}{1}
إذاً كيف أعتدي عليه؟ لكن المؤمن معه دوماً العفو ، اسمعوا إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقد جَاءَه رَجُلٌ فَقَالَ: {يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَمْ أَعْفُوا عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَمْ أَعْفُوا عَنِ الْخَادِمِ؟ فَقَالَ: كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً}{2}
إذا كنت سأعفوا عن الخادم في اليوم سبعين مرة ، فكم أعفوا عن الأخ وعن الجار وعن الزوجة وعن الولد وعن الإبنة وعن الرفيق وعن الزميل؟ فالعفو مداه واسع ليس له نهاية ، لأن خُلُق المؤمن الأول الذي عليه المعوَّل العفو
{خُذِ الْعَفْوَ} أى تخلق به حتى يكون ملكاً لك دون الآخرين ، واعتبر نفسك المخاطب بهذه الآية دون الخلق أجمعين ، قد يقول قائل ويظن أن هذا الكلام لا ينطبق على الحالة الحاضرة ، ويقول: إن العفو يجعل الناس تطمع فيَّ ويزيدون في إيذائي ، لا والله ما قال ذلك الذي لا ينطق عن الهوى ، قال صلى الله عليه وسلم ليمحو عنا هذه الشبهة الخبيثة: {مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا}{3}
إن لم يدركه الآن سيظهر فيما يأتي من الزمان وسيتحدث به الناس ويكون أحدوثة في هذا الزمان أو بعد هذا الزمان ، فلان هذا كان مثال للعفو ، فلان هذا كان نموذج للصفح وكان على ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ، والمشاهد في هذا الأمر كثيرة
هل هناك من تعرض منا لإيذاء في حياته كما تعرض النبي صلى الله عليه وسلم للإيذاء من أهله وعشيرته في مكة؟ لا يوجد ، حتى من المعاصرين أجمعين ، فقد تجمع منهم ثلاثة آلاف رجل في ساحة الحرم الشريف ، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ليزور الكعبة وبعد انتهاء الزيارة والصلاة فيها وقف على بابها وخاطبهم: يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: {اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ}{4}
وفي رواية: {فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}}{5}
مع أنه كان قادراً على ايذاءهم ، ومكَّنه الله من ذلك عندما ذهب إلى ثقيف بالطائف ورجع ، ونزل ملك الجبال ، وقال جبريل: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ: لك ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا}{6}
وقد كان ، وفى غزوة أحد لمّا كُسِرَتْ بَيضةُ النبي صلى الله عليه وسلم (خوذته) على رأسهِ وأُدْمِيَ وجههُ وكُسِرَت رَباعيتَهُ وثلمت شفته ورمى رمية على كتفه ودخلت حلقتا المغفر فى وجنته الشريفة وسال الدم على وجهه أسرع خوفاً عليهم : {وأخذ شيئاً فجعل ينشف به دمه وقال: لو وقع منه شيء على الأرض لنزل عليكم العذاب من السماء}{7}
فتلقاه أصحابه رضي الله عنهم، وقال: بعضهم: يا رسول الله ادع عليهم ، فقال صلى الله عليه وسلم {اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ}{8}
وقال صلى الله عليه وسلم: {إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً}{9}
وقيل قال صلى الله عليه وسلم: {اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ}{10}[/frame]
{1} سنن ابن ماجة وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه {2} سنن الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما {3} صحيح مسلم وسنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه {4} تاريخ الطبري {5} سنن النسائي {6} البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها {7} ولابن عائذ من طريق الأوزاعي ، فتح الباري شرح صحيح البخاري {8} أخبار أصبهان لأبي نعيم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه {9} صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه {10} البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه