مسقط-
تعاني بعض الأسر من ظاهرة التباين الفكري بين أفرادها، وتشبه هذه الحالة الانفصام الثقافي بين جيل الآباء وأبنائهم، ويتجلى هذا الانفصام الثقافي في الكثير من المظاهر اليومية التي تعيشها هذه الأسر، والتي من أهمها اختلاف اللغة التي تعتبر وسيلة الحوار الأولى.
وفيما يُرجع البعض أسباب هذه الظاهرة لتغيّر العادات، وتطور طرق التعليم خلال السنوات الأخيرة، يرى آخرون أن حرص بعض الأهالي على تعليم أطفالهم لغات أجنبية في سن صغيرة جداً عزز من هذه المعضلة، التي تكاد تعصف بوحدة أهم لبنة من لبنات المجتمع.
إحدى النساء أرسلت إلى "الشبيبة" قبل فترة رسالة تشكو فيها من صعوبة التواصل مع ابنها الصغير الذي لم يبلغ العاشرة بعد، حتى إنه بات يشعر بالكآبة حين يعود من الحضانة التي يدرس فيها إلى البيت؛ لأن الدروس والتعامل الذي يتلقاه من معلميه خلال وجوده في الفصل، لا يمت بصلة لطبيعة حياته في منزل ذويه، وهو ما أدى -بحسب رسالة الأم- إلى نوع من العدوانية يقابل بها الطفل كل تعامل من والديه.
وأوضحت سمية الغافرية رأيها قائلة: "أؤيد دخول ابني المدرسة الأجنبية؛ لأننا في زمن بحاجة كبيرة إلى تعلم واتقان اللغة الإنجليزية، وهناك سيتم تأهيله وتعليمه بشكل قوي وممتاز، أما بالنسبة للمدارس الحكومية فيكون اهتمامها قليلا للغة الإنجليزية، لكن من أبرز عيوب المدارس الأجنبية قلة اهتمامها بتعليم الأطفال التربية الإسلامية ما يسبب ضعف الوازع الديني لديهم، فيأتي دور الأسرة في حرصها على تعليم الأطفال تعاليم الدين الإسلامي وتأدية الصلوات الخمس".
كما حذرت المرشدة النفسية بمركز الاتصال والمعلومات بالمجلس الأعلى للتعليم أمينة المعمرية من مخاطر الإفراط في تعليم الصغار اللغات الأجنبية في سن مبكرة، وقالت: إن خوف الأهل على مستقبل أبنائهم لا يبرر تركهم نهباً لثقافة غربية، لا تمت بصلة لتراثهم وتراث آبائهم، وسيكون لها عواقب وخيمة -ليس على الأسرة فحسب- بل على أخلاقيات المجتمع ومثله.
وأضافت الأستاذة المعمرية: «ربما يدفع حرص الأهل على مستقبل أبنائهم لتعليمهم في حضانات ومدارس تعتمد اللغات الأجنبية، أن يلتحق أبناؤهم بالمدارس التي تعلّم أكثر من لغة في سن مبكرة، ظناً منهم أن هذا الأمر يسهّل لهم الحصول في المستقبل على وظائف وفرص عمل أكثر وأفضل، أي أن تعلم اللغات الأجنبية يراه البعض ضمانة مستقبلية للأطفال، وكثيراً ما يرى آخرون أن تعليم الطفل لغة أجنبية في سن مبكرة يعتبر ركيزة أساسية لا بد منها، ليتمكن مستقبلاً من إكمال دراسته في المدارس الراقية والجامعات الأجنبية».
وترى المعمرية أن هذا الأمر يحمل الكثير من المخاطر المستقبلية؛ لأن الطفل قبل سن الخامسة، يجب أن يتعلم اللغة الأم التي ينتمي إليها مهما كانت، وهذا هو ما اتفقت عليه النظريات التربوية والاجتماعية؛ لأن اللغة تمثل ثقافة المجتمع، وإن لم يتمكن الطفل من لغة والديه سيتحول إلى عنصر مقطوع عن محيطه.
وتتحدث المعمرية عن حالة عايشتها تبين مدى الخطر الذي يمكن أن يسببه تخلي الأهل عن تعليم اللغة العربية لأبنائهم، حيث تقول: «أذكر في هذا المقام حادثة مؤلمة -لا أنساها ما حييت- حين طلبت فتاة عُمانية خلال محاضرة يقدمها أحد الدعاة، أن يدلها على طريقة تقرأ بها القرآن الكريم بتدبر؛ لأنها لا تجيد اللغة العربية، ولا تقدر على تدبر معاني الآيات، ولا تعرف أصلاً شرح الكلمة إن قرأتها، وسألته: «هل يمكنني أن أقرأ المصحف الذي ترجمت معانيه إلى اللغة الأجنبية!!؟»، ووسط استغراب الحاضرين، رد الشيخ عليها قائلاً: إن هذه مأساة حقيقية، لا يمكن أن يتصورها، أو يجد لها حلاً، وقال لها: «وكيف تكونين فتاة عربية من أسرة عربية ولا تستطيعين قراءة القرآن!؟»..
وأكدت المعمرية أن الأم والأب عليهما مسؤولية أمام الله عز وجل، «حيث يجب أن يكونا أول حصن يحمي أبناءهما من التغريب، وهجمة الثقافة الغربية التي تحاول أن تمسخ أجيالنا، وتحولهم إلى مخلوقات غريبة لا ثقافة ولا تراث لها، تارة بداعي التطور والتعليم، وتارة بكذبة أن اللغة الأجنبية هي لغة الحضارة والرقي، يجب أن يكون الابن امتداداً طبيعيا لأسلافه، لغتنا غنية وجميلة، وما فيها من صور وبلاغة ومجاز وتشبيه لا يوجد في اللغات الأخرى، والغريب أن الحالة التي نعيشها اليوم تماثل تماماً الحالة التي كانت عليها أوروبا في عصور الظلام، حيث كانت العائلات النصرانية تعلم أبناءها اللغة العربية؛ لأن أغلب العلوم كانت بلغتنا، قبل أن تنقلب الآية اليوم».
أما اللغة العربية فلغة صعبة جداً، وإن لم يتعلمها الطفل صغيراً ويتمكن من أساسياتها سيصعب عليه تعلمها وإتقانها في الكبر».