اتباعا للمثل الحكيم القائل إنه "إذا لم تستطع أن تهزم شخصا ما فتحالف معه"، قررت السلطات المكسيكية التي عجزت عن وقف واحتواء تنبؤات حضارة المايا العريقة التي تؤكد نهاية العالم والتي اجتاحت المكسيك بشكل يشبه موجة من الجنون أن تستغلها من أجل الترويج لحركة السياحة بقوة وحماس.
ويعتقد عشرات الآلاف من الأشخاص أن أبناء "قومية المايا" التي تعد حضارة موغلة في القدم ازدهرت في الجنوب المكسيكي وأمريكا الوسطى تنبأوا بأن كارثة ستحل بالعالم في 21 ديسمبر الجاري وتبيد ثقافتهم.
وثمة ثقل معين لهذه النبوءة حيث إن ثقافة المايا ترعى وتشجع خبراء الفلك وعلم الرياضيات، ورغم أن هذه النبوءة ليست صحيحة إلا أن الفكرة التي راجت بنهاية العالم في 21 ديسمبر الجاري أصبحت خزانة تحتوي على كنز بالنسبة لصناعة السياحة وما يتعلق بها من أنشطة اقتصادية بالمكسيك.
ويوضح الخبراء أن ما يقوله تقويم المايا للتواريخ في الحقيقة هو أن ما سينتهي يوم 21 ديسمبر هو مجرد عصر يضم وفقا لهذا التقويم 2500 عام من أعوام المايا "ما يوازي 5121 عاما من التقويم الميلادي" كما يؤذن ببداية عصر جديد.
واستعدت المقاصد السياحية والمواقع الأثرية لحلول هذا اليوم، بينما نظمت الشركات الخاصة جولات سياحية واحتفالات وحفلات لموسيقى الروك.
ونفذت الحكومة المكسيكية استراتيجية خلال العام ونصف العام الفائتين لجذب الزوار إلى إقليم المايا وتجاوزت هذه الاستراتيجية الهدف المرجو منها حتى قبل موعد نهاية العالم.
وتقول وزارة السياحة المكسيكية: إنه تم تجاوز الرقم الذي تم تقديره في الصيف الفائت ويبلغ 52 مليون من السياح الذين سيزورون الولايات الخمس في الإقليم الواقع في الجنوب الشرقي من المكسيك، وتوضح الوزارة أنه وصل إلى الإقليم حتى يوليو من العام الجاري 62 مليون سائح.
وكان الهدف الأصلي يتمثل في اجتذاب 52 مليون سائح خلال 18 شهرا تقع خلال الفترة بين يونيو 2011 حتى ديسمر الجاري.
ويرى المسافرون أن موعد نهاية العالم يمثل فرصة للتعرف بصورة أكبر على حضارة المايا، غير أن هناك الكثيرين الذين يفضلون البقاء في منازلهم وعدم السفر إلى المكسيك أثناء هذه الفترة.
وحتى وكالة الطيران والفضاء القومية الأمريكية "ناسا" اضطرت إلى أن تصدر بيانا عاما تنفي فيه الشائعات حول نهاية العالم بعد أن تلقت آلاف الخطابات الكثير منها من الأطفال تعبر عن الخوف من نبوءات المايا بقرب نهاية العالم.
أما المنتمون لجماعات معينة تقتصر على أعضائها فإنهم يرون أن هذا الموعد الخاص يمثل فرصة للتجديد الروحي للبشرية، وسواء أحب ذلك علماء الآثار أم لا فمن المتوقع أن تأتي حشود من الأشخاص يرتدون الملابس البيضاء أمام مواقع المايا البارزة مثل شيشين إيتزا وإيزابا وبالنكيو في ديسمبر الجاري لشحن أجسامهم وأرواحهم بالطاقة.
وقال رئيس المعهد الوطني لعلم الأجناس والتاريخ ألفونسو دي ماريا إي كامبوس في يناير الفائت: "لقد أعلنا مرارا وتكرارا إن هذا الموعد لا يمثل نهاية العالم".
وأضاف كامبوس: أن حضارة قومية الأزتك القديمة التي تعيش في وسط المكسيك لديها أيضا نفس الفكرة ولكنها لم تثر ضجة كبرى حولها.
ويقول أبناء المايا إنه بحلول "الباكتون" الثالث عشر – وهو وحدة زمنية تضم 400 عام – سينتهي عصر طويل في التقويم الخاص بالمايا الذي بدأ في 13 أغسطس العام 3114 قبل الميلاد.
وتم العثور على المعلومات التي أثارت شائعات نهاية العالم منقوشة على حجرين حفرت عليهما في القرن السابع الميلادي، وتشير المعلومات إلى موعد 23 ديسمبر "وليس 21 كما أصبح شائعا بين الناس".
وتم اكتشاف الحجرين في ولاية تاباسكو المكسيكية، وعثر على قطعة منهما في منطقة كومالكالكو وأخرى في منطقة النصب التذكاري السادس الشهيرة في تورتوجيرو بجنوبي ولاية تشوباس، وتقول العبارات المنقوشة على هذا الحجر إنه عندما تكتمل فترة 13 ياكتون ( ويضم كل ياكتون 400 عام ) سيهبط إله الضوء "بولون يوكتي" على الأرض.
وقال الخبير الألماني سيفن جرونيماير في ندوة حول هذا الموضوع: إنه من الواضح أن النخبة في منطقة تورتوجيرو ترى أن عليهم أن يستعدوا لعودة الإله.
وأضاف: أن العمليات الحسابية لتقويم المايا توضح أن نهاية 13 ياكتون تمثل ببساطة نهاية فترة زمنية واحدة والانتقال إلى دورة زمنية جديدة على الرغم من أن هذا الموعد مشحون بمعان رمزية مثل تلك الاعتقادات التي تحيط بيوم الخلق.
ومن ناحية أخرى يستعد علماء وخبراء الآثار لحلول هذا اليوم، وتم افتتاح مواقع أثرية جديدة وتم تنظيف المواقع الحالية كما تم ترميم قطع أثرية مثل قطعة النحت البارز للمايا المعروفة باسم "العصور الأربعة" بمنطقة تونينا بولاية تشيباس.
وعلى صعيد الأعمال التجارية نظمت شركات السياحة والترفيه جولات وطرق سياحية وأنواع مختلفة من الأنشطة للاستفادة من الفرص الرائعة التي يتيحها إقليم المايا بالمكسيك.