تابع درس أهمية الإيمان باليوم الآخر
اللهم آتنا رحمة من عندك وعلمنا من لدنك علما
علاقة النفس بالجسد:
لذلك أيها الأخوة، هذه النفس التي هي ذاتك تذوق الموت ولا تموت، وهي إما في جنة يدوم نعيمها، أو في نار لا ينفد عذابها، فجسمك هو الوعاء، والنفس ترى من خلال العينين، وتستمع إلى الأصوات من خلال الأذنين، وتعبر عن حاجاتها عن طريق الفم واللسان، وتتصل بالعالم الخارجي من خلال الحواس.
فهذا الجسم وعاء له نوافذ: نوافذ تتلقى الأصوات، و نوافذ تتلقى الصور، و نوافذ تتلقى الأحاسيس، و نوافذ واسعة جداً تتلقى الحر والقر، فجسمك وعاء نفسك، وفيه نوافذ تنتقل عبرها إحساساتك بالعالم الخارجي، الجسد وعاء، أو ثوب يُخلَع.
3- الروح:
للروح القدرة الإلهية هي التي تحرك الجسد، فالروح وللهِ المثل الأعلى، من باب التقريب أقول: لدينا مسجلة، الروح هي الكهرباء التي تسري فيها فيعلو صوتها، لو قطعت عنها الكهرباء لأصبحت كتلة لا معنى لها، البراد ما الشيء الذي يجعله يعمل ويبرد ؟ الكهرباء، لو وزنت براداً أو ثلاجة في ميزان دقيق وهو يعمل، ثم قطعت عنه الكهرباء هل يقل وزنه ؟ أبداً، كان ثلاجةً فأصبح كتلة لا معنى لها، فكل أعضاء الإنسان ؛ كالعين ترى بالروح، والأذن تسمع بالروح، واللسان ينطق بالروح، والدماغ ينشط بالروح، والمعدة تهضم بالروح، فالروح هي الطاقة المحركة عند الموت , تقطع عن الإنسان هذه الطاقة.
فمثلاً الكبد عن طريق الروح يقوم بخمسة آلاف وظيفة، فلما انقطعت عنه الروح وانقطعت عنه الحياة، صار قطعة من اللحم، فإما أن تحفظها في براد، وإما أن تتفسخ، فالإنسان يقول لك: أريد شطيرة سودة فأساسها كبد، كبد يقوم بخمسة آلاف وظيفة , فلما ذبح الخروف أصبح لحماً يؤكل.
النفس هي التي تسعد بالقرب من الله وتشقى بالبعد عنه:
أيها الأخوة الكرام، أن في الإنسان نفساً هي ذاته الخالدة، هي التي مصيرها الجنة أو النار، هي التي تسعد بالله أو تشقى بالبعد عنه، هي التي تسمو وتسفل، كل صفات الإنسان صفات بذاته.
لو جئنا بجسم نبي، أو بجسم أبي جهل، عينان عينان، أذنان أذنان، لسان لسان، شفتان شفتان، يدان يدان , ما الذي يميز هذا النبي العظيم سيد الخلق، وحبيب الحق عن ذلك الآخر ؟ أن نفسه تعرف الله، ونفسه اتصلت بالله، واصطبغت بالكمال الإلهي، وذلك الآخر نفسه بعيدة عن الله، انقطاعها عنه جعلها تسفل وتشقى .
قلب النفس مسكنها في الصدر وهي المقصودة في الآية:
أيها الأخوة، يقول أحدكم: إنه اليوم متضايق، فهو أكل، وشرب، ونام، كل أمورك ميسرة، لماذا أنت متضايق ؟ لأن لديك مشكلة تعاني منها إنها النفس , وإذا قال الله عزوجل:
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾
( سورة الأعراف الآية: 179 )
فهذا قلب النفس وهو المقصود بالآية، ليس قلب الجسد، ليس هذه المضخة الصنوبرية، لا، النفس لها قلب حقًّا، لها قلب، ومسكنها الصدر.
﴿ إن الله عليم بذات الصدور ﴾
( سورة لقمان الآية:23)
﴿ يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية ﴾
( سورة الفجر الآية: 27-28 )
علم النفس لا يزال في أطواره الأولى:
وقد درسنا في الجامعة في علم النفس أن أمًّا في ميلانو، وهي في المطبخ رأت ابنها قد دهسته سيارة في باريس، رأته بعينها، وبعد يومين جاءها النعش، ومعه تقرير بالحادث في الساعة التي رأته قد دهس فيها، تفسير هذه الحادثة صعب جداً، الحادثة واقعة، لكن سمَّوها التخاطر النفسي، معناها النفس لا تزال حتى الآن مجهولة، أعتقد ألكسيس كاريل ألف كتابًا عنوانه [الإنسان ذلك المجهول] وقصد نفسه لا جسده.
ولقد درس الأطباء القلب والرئتين والعينين والأذنين والأجهزة، ودراسات علوم الطب متقدمة جداً، لكن علوم النفس لا تزال في البدايات، ومعلوم لديكم أنّ سيدنا عمر وهو يقف على المنبر في المدينة، قطع الخطبة ونادى: يا ساريةُ الجبلَ الجبلَ، وهو في بلاد الفرس، ويقول سيدنا سارية سمعتُ صوت أمير المؤمنين يحذرني العدوّ، وأن ألتزم الجبل، فهذا هو التخاطر النفسي وهو ثابت علمياً، لكنه غير معروف تفصيلياً، كيف ؟ لا نعرف
فهذه النفس كأنها إشعاع، أحياناً إنسان تذكره فإذا هو أمامك، يقال عندئذٍ: حضرت ملائكته، فهذا إشعاع صادر عنه، وهناك حوادث كثيرة جداً من الصعب أن تصدق، الحياة النفسية حياة لا تزال في البدايات.
وإلى لقاء آخر مع دروس العلامة النابلسي
دمتم في رعاية الله